Pergerakan Islam di Indonesia Karya DR. Karam Farahat - Faktor Pendorong Munculnya Pergerakan Islam di Indonesia

الفصل الثانى
بواعث الحركة الإسلامية فى إندونيسيا

1- الباعث الديني.
2- الباعث السياسي.
3- الباعث الوطني.
4- الباعث الفكري والأدبي.
5- باعث الفكر الشرقي.
6- باعث مجابهة أخطار البعثات التبشيرية.
7- باعث توحيد اللغة.
8- باعث تأثير الأحداث العالمية.



تأثرت الحركة الإسلامية بكثير من البواعث والروافد المختلفة التي كانت عاملاً أساسيًا في ظهورالجمعيات الدينية، وكذلك أثرت هذه البواعث في اختلاف أنشطتها من جمعية وأخرى بناءً على هذه الروافد.
فما نجده من نشاط ديني أو ثقافي أو سياسي لدى هذه الجمعيات، إنما كان نتيجة تأثير هذه الروافد ومن أجل تكوين الطابع الإندونيسي القومي أو هو صدى لما كان يحدث من أحداث عالمية على مستوى العالم الإسلامي أو الغربي، من بين هذه البواعث:
الباعث الديني، والباعث السياسي، والباعث الوطني، والباعث الفكري والأدبي، وباعث الفكر الشرقي، وباعث مجابهة أخطار البعثات التبشيرية، وباعث توحيد اللغة، وباعث تأثير الأحداث العالمية، وها نحن الآن بصدد الحديث عن هذه البواعث التي كانت وراء ظهور تلك الجمعيات الإندونيسية.
³ الباعث الديني:
يُعدّ الباعث الديني المتمثل في الإسلام من الروافد الأساسية والمهمة في كل جوانب الحياة الإندونيسية، فالدين الإسلامي العامل الأساسي في توحيد هذا البلد وظهوره بهذا الشكل المسمى بإندونيسيا، بل هو من وراء ظهور الجمعيات الدينية، والمدعّم لها، من أجل إحداث التغيير في المجتمع الإندونيسي الإسلامي، وبث الدعوة لإيقاظه، ورفع مستوى الوعي الديني بين طوائف الشعب([1]).
ويدين ما يقرب من 90% من سكان إندونيسيا بالإسلام وتتوزع النسبة الباقية بين كل من الكاثوليك والبروتستانت، يليها الأقاليم البوذية ثم الهندوسية، ويتدرج الالتزام الشديد بتطبيق مبادئ الإسلام من المركز أي جزيرة جاوا إلى الجزر التي تحيط بالمركز والتي يقل فيها هذا الالتزام، وقلة الالتزام هذه تعني خلط بعض الممارسات الإسلامية بالمفاهيم التقليدية الموروثة في جاوا والتي تضرب بجذورها في ثقافة منطقة جنوب شرق آسيا([2]).


كما أن السكان في إندونيسيا قد تأثروا بوضوح العقيدة الإسلامية ويُسرها، وبما فيها من المساواة بين الناس، وهذا على خلاف ما يعرفونه من فروق قائمة بين الناس في الديانات التي كانت تسود إندونيسيا، وكان الشعب يُعاني الكثير من ذلك ويريد الخلاص مما هو فيه ووجد الإسلام منقذًا له([3]).
لذلك كان الباعث الديني الباعث الأول من أجل إنشاء الجمعيات الدينية الإندونيسية، فأقبل الناس على الدين الإسلامي كمخلص لهم مما هم فيه، وبعد مجيء الاستعمار وقدوم الإرساليات التنصيرية ازداد إقبال الناس نحو الإسلام مخالفة للإرساليات التنصيرية وضدها؛ لما يرون من أعمال تلك الإرساليات غير الإنسانية، فقد حدث أن تنصرت قريتان ثم تركتا النصرانية واعتنق سكانها جميعًا الإسلام بسبب ما شاهدوا وعرفوا من حقيقة تلك الإرساليات النصرانية([4])؛ لذلك كان الدافع والباعث الديني بين المثقفين من أبناء الشعب الإندونيسي من الأهمية بمكان وصاحب دور فعَّال في ظهور الجمعيات والحركات المنظمة التي تقاوم هذا الاستعمار وهذه الإرساليات التبشيرية([5]).
فالدين الإسلامي ذو طبيعة نضالية وكفاحية ويوجد ترتيب ونظام في الدعوة والتواصل ابتداءً من يوم اجتماع يوم الجمعة وانتهاء بيوم الحج الأكبر بناءً على قواعده التي تسمح بذلك، فكلما حدث خطر على الإسلام قام المسلمون بالدفاع ضد هذا الخطر بالطريقة التي يرونها مناسبة حسب الوعي والإمكانيات، وربما وجدنا أكثر من شكل أو أسلوب في داخل المجتمع المسلم لمواجهة خطر واحد، وهذا ما وجدناه في إندونيسيا خلال فتراته التاريخية المختلفة، فليس بجديد أن يهب الشعب الإندونيسي مدافعًا عن معتقداته الإسلامية تجاه الاستعمار، فهناك الكفاح المسلح ضد المستعمرين والثورات التي تمثلت في رجل الدين الإسلامي إمام بانجول سنة 1837م([6])، وثورة «ديبونيجورو» في جزيرة جاوا([7])، ثورة «تنكو عمر» في أواخر القرن التاسع عشر سنة 1899م([8])، وغيرها من الثورات([9]) ولم يدع المسلمون القادمون أنهم من جنس أسمى، أو عرق أفضل، أو شعب أرقى، أو أنهم أكثر مدنية، أو أعلى مكانة، كما يدّعي المستعمرون الصليبيون، فهذا أمر يعرفه الآخرون، ويُقرّون به، لا يدعيه صاحب العلاقة نفسه([10]).
كما يتباين التمسك بتعاليم الإسلام بين سكان منطقة جاوا نفسها وبين كل من السانتري والأبانجان فالأولى تعلن التزامها بالتعاليم الدينية ويحرص كثير منهم وخاصة في المناطق الريفية على تربية النشء في مدارس دينية([11]).
وقد يكون التأثر بسبب تفوق المسلمين بالحضارة، ومن المعروف تأثر الناس بالذين يعتقدون أنهم أعلى مستوى منهم وخاصة في الحضارة، ومختلف العلوم الأخرى، وأيضًا إقبال المسلمين على المؤاخاة بين أهل إندونيسيا، وبُعد المسلمين عن الطمع في الشعوب الأخرى، وتميز المسلمين بالتواضع والأخلاق الحميدة، كل ذلك جعل عند الإندونيسيين تقبلاً وقناعة للانتساب إلى الإسلام([12]).
ومن الجدير بالذكر أن الاتجاه الإصلاحي الإسلامي والمنظمات الدينية والقومية في إندونيسيا قد ظهرت وتألقت على يد جماعة أطلق عليها اسم مجموعة الشباب وكانوا متأثرين بحركة التجديد للفكر الإسلامي والنهضة الحديثة في مصر، خاصة بتعاليم جمال الدين الأفغاني (1838-1897م) التي حملها الإمام محمد عبده (1849-1905م)، والشيخ محمد رشيد رضا (1856-1935م)، وكان هذا الاتجاه ذو طبيعة خاصة ومتميزة يدعو إلى تحديث الدين الإسلامي، بحيث يستطيع أن يشارك المسلمون في العالم المتحضر، ويهدفان أيضًا إلى تطهير الفكر الإسلامي من أدران البدع والخرافات، والقضاء على تسرب العادات والتقاليد التي خلفتها الأديان القديمة في إندونيسيا([13]).
كل هذا إضافة إلى حاجة الإنسان إلى التدين التي جعلت السكان يفكرون تمامًا في قضية العقيدة، ولما كانت الديانات الموجودة آنذاك في إندونيسيا لا تحقق شيئًا من رغبات الإنسان الفطرية؛ لذا فقد أقبل السكان على الإسلام بشكل واسع لا نظير له، إذ اعتنق الإسلام في إندونيسيا عشرات الملايين في مدة لا تتجاوز القرن من الزمن، وكانت المناطق الداخلية أكثر إسراعًا للدخول في الإسلام من المناطق الساحلية([14])، والعودة بالمسلمين إلى الإسلام المصفى، واتباع التعاليم التي جاء بها سيدنا محمد r، ومحاولة تفسير التعاليم الإسلامية وبيانها للناس بأسلوب يتناسب مع العصر، وحتى يتم تعميق المفاهيم الإسلامية لدى المسلمين، والعمل على تحقيق وجود المجتمع الإسلامي الصحيح وإقامة التعاليم الإسلامية في حياة المسلمين([15]).
وقد كان كل ذلك أساسه ومبدأه الباعث الديني الإسلامي في الشعب الإندونيسي ومنها ما اتخذ شكل التنظيم والتوعية، وكان ذلك في بدايات القرن العشرين مثل «الجمعية المحمدية»، وجمعية «الأخلاق الفاضلة» وقد كانت المنظمة المحمدية من أنشط التنظيمات التي قامت من أجل الإصلاح الديني والاجتماعي ونشر الوعي الوطني وأكثره شعبية([16]).
³ الباعث السياسي:
منذ بداية القرن العشرين بدأ الاستعمار الأوروبي الغربي الصليبي يفرض نفوذه ببشاعة على إندونيسيا، واشتدت مقاومة الإندونيسيين، فطور الاستعمار أسلوب حربه مما أضعف المقاومة الإندونيسية، فغيرت من أساليبها فحركتها إلى إنشاء جمعيات ومنظمات إسلامية ركزت نشاطها على التثقيف والتنوير والعودة الصحيحة للإسلام([17]).
كانت للظروف السياسية التي مرت بها إندونيسيا والتحولات الكبيرة سواء التحولات الخاصة بالتحول العقائدي والأيدلوجي، والتحولات المتعددة في طبيعة النظام السياسي وآلياته أثرها على الحياة المستقبلية لإندونيسيا، فالاحتلال البرتغالي وبعده الاستعمار الهولندي كانت له آثاره الأمنية والمستقبلية على المجتمع الإندونيسي، فوجدنا نشاطًا ثوريًا لمجابهة سياسات المستعمرين على طول التاريخ الإندونيسي إبان تلك الفترة، كان لا بد إذن على إندونيسيا أن تسلك طريق الجهاد إذا أرادت لنفسها الحرية والاستقلال فازدادت الحركة الوطنية نجاحًا، وظهرت الأحزاب والجمعيات التي تبنت قضية الاستقلال بوازع من دينها ومن عقيدتها بوجوب الجهاد ضد المستعمر، ورفع راية التوحيد، مما يجعلنا نؤمن بأن دور الجمعيات الدينية لا يقل بحال من الأحوال عن دور الجيوش والقادة، مثل الجمعية المحمدية التي تُعد من أكبر الجمعيات الإسلامية في العالم، وكذلك الجمعية العائشية الخاصة بالسيدات، وجمعية باسواند، وجمعية نهضة العلماء، والجمعية الوصلية، وجمعية اتحاد علماء الإسلام وغيرها من الجمعيات التي بلغ عددها 57 جمعية، كلها يحركها ويطورها ويساعد على نشاطها حب الوطن والإيمان بوجوب تحرره([18]).
هذا وقد نادت كثير من الجمعيات الأهلية في إندونيسيا، وكثير من التنظيمات الأهلية أيضًا، والتي تضم كلاً من التوجيهات الإسلامية والليبرالية -أي التحررية أو المذهب الفردي التي تقوم على المنافسة الحرة من أجل تحقيق الصالح العام- بضرورة الحفاظ على الحريات والحقوق الأساسية للإنسان، بل زاد هذا الدافع السياسي من إنشاء العديد من الجمعيات من أجل صالح الوطن([19]).
ولكن يجب علينا ألاّ ننسى دور المفكرين والسياسيين والشباب المنادين بتلك الإصلاحات والاستقلال، وخاصة الذين يمثلون عناصر ذات توجهات إسلامية، رأت إمكانية سوء الأحوال واستفحال الأوضاع في إندونيسيا إن لم تتحول نحو مزيد من الديمقراطية، وذلك بدافع من وطنيتهم ومشاركتهم السياسية بذلوا وحاولوا الوصول إلى الاستقلال.
لم يجد الشباب العون من رجال الحكم من أهل البلاد، وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت طبقة تجارية إندونيسية لجأت إلى تشكيل جماعة شباب في عام 1328هـ-1910م أطلقوا عليها «شركة إسلام» بدأت نشاطها في جاوا الوسطى ونادت بشعارات ألهبت حماس الجماهير([20]).
إن الأمر لم ينحصر في جهاد ومقاومة ودور الجمعيات والجماعات الشبابية فقط، بل إنه في عام 1338هـ-1919م تشكلت أول منظمة نقابية تأثرت بالثورة الروسية وبدأت الإضرابات الشعبية تأخذ دورها في الحياة السياسية فبدأ عمال السكة الحديد بشاطئ سومطرة الشرقي بعمل إضراب وأيضًا عمال مطابع سواربايا، وفي عام 1339هـ-1920م ظهر الحزب الشيوعي ليكون مع الطليعة يكافح الاستعمار بكل قوة([21]).
لقد قام الإندونيسيين بحركات متعددة ضد الاحتلال الياباني، وكانوا ينتظرون غزو الحلفاء لبلادهم، ومساعدتهم على طرد اليابانيين، وكلهم أمل أنهم سيحصلون على الاستقلال واستسلمت اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية في 7 رمضان 1364هـ (15 أغسطس 1945م) وبعد يومين فقط أعلن عن قيام حكومة إندونيسية برئاسة([22]) أحمد سوكارنو([23]) ونائبه محمد حتا([24]).
ومن الجدير بالذكر أن عام 1948م شهد أول مواجهة بين القوى السياسية الإندونيسية، ففي هذا العام سعى تيار اليسار للسيطرة على الوزارات السيادية وجاءت البداية بإعادة تنظيم هيكلة النظام السياسي([25]).
ومن ثم نجد الإندونيسيين اتجهوا نحو توحيد الصفوف وتأسيس الجمعيات، وتنظيم الأحزاب ولعبت الأحزاب الدور الكبير فيها وخاصة في القرن العشرين مثل «الحزب الوطني الإندونيسي» سنة 1937م، و«حزب شركة إسلام» الذي تحول من الصبغة الاقتصادية إلى الصبغة السياسية الداعية إلى تحرير إندونيسيا في عام 1916م، وقد أسس هذا الحزب منظمة سياسية في عام 1928م تحت اسم مجلس «علماء إندونيسيا» تحولت بعد ذلك إلى حزب سياسي، بوازع سياسي وديني حاول الجميع تحرير إندونيسيا([26]).
فالحياة السياسية الاستعمارية التي عانتها إندونيسيا لها أثرها العميق، وباعثها الحثيث في نشأة وتطور الجمعيات الإندونيسية، وذلك من أجل إحداث يقظة للمسلمين ضد الاستعمار، ومحاولة بعث الروح الوطنية في نفوس الجماهير([27]).
³ الباعث الوطني:
الباعث الوطني هو الذي يتجمع فيه كل من الباعث الإسلامي والباعث السياسي، وهو الذي يجمعهما جميعًا في بوتقة واحدة، فالحس الوطني والدفاع عن الأرض وسلامة الوطن هي أمور يتفق عليها كل المجتمع، بغض النظر عن الدين أو العرق أو المبادئ السياسية أو الفكرية، فالكل متفق في أن يدافع عن الخطر الواحد على الوطن الواحد.
أخذ المتعلمون الإندونيسيون يتساءلون لماذا يعيشون في مستعمرة ويحكمها الهولنديون لقد كان بإمكانهم قراءة الكتب الأوروبية التي تتحدث عن الاستقلال والديمقراطية، فبدأ عندهم إحساس بأن عليهم إخراج الهولنديين والحصول على الاستقلال، كما فعل غيرهم من الشعوب، فبدأت المنظمات الوطنية تتشكل في الهند الشرقية منذ مطلع القرن العشرين وجميعها تطالب بالاستقلال التام، والبعض طالب فقط بمزيد من مشاركة الإندونيسيين في السلطة([28]).
فالشعب الإندونيسي أحد الشعوب الحية التي ناضلت، وتناضل من أجل حقها في الحرية والاستقلال، وإذا قلبنا صفحات التاريخ البعيد، فإنا نجد الشعب الإندونيسي لم يركن إلى الخمود، ولم يركع للمستعمر، بل كافح كفاحًا مريرًا، دفاعًا عن حريته واستقلاله([29]).
فكل الثورات التي قامت في إندونيسيا لا يمكن إغفال الجانب الوطني، والحس الدفاعي عن الوطن، وليس بالإمكان سرد تاريخ الثورات العديدة التي تتابعت في البلاد الهندوسية والجزر الكبيرة والصغيرة على السواء، بعضها يقوده الأمراء والرؤساء، وبعضها يقوده رجال من عامة الشعب وبعضها أيضًا يقوده النساء كثورة «تبدين»([30]) زوجة «تنكو عمر» وحركة البطلة الخالدة «كارتيني»([31]) وهي ثورة سياسية واجتماعية موفقة في آن واحد([32]).
والجمعيات والتنظيمات والأحزاب المختلفة ما بين طلابية ودينية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ناضلت جميعها من أجل التحرر الوطني، ذلك أن التحرر الوطني من السيطرة الاستعمارية -اقتصاديًا وسياسيًا- كان هو الهدف المشترك لكل تلك الجمعيات والهيئات والأحزاب.
ولا يغيب عن الذهن جمعية «شركة إسلام» أي (الاتحاد الإسلامي) التي شكلت تحديًا كبيرًا للهولنديين بجاوا، وقد ازداد اعتمادها الجماعي على الدعم الإسلامي، لكنها واجهت تحديًا من الحزب الشيوعي حديث التشكيل، وقد دخلت جماعات من الشيوعين في الاتحاد الإسلامي وحاولت التأثير فيه([33]).
وفي سنة 1919م نشأت «ماريكات واجانج إسلام» أي الشركة التجارية الإسلامية ولم تكن هذه المنظمة ذات صفة سياسية، بيد أنها لم تلبث أن غيرت طابعها التجاري، وأصبحت منظمة سياسية، وغيرت اسمها إلى الحزب الإسلامي الإندونيسي، وكان هذا الحزب أول منظمة وطنية تقوم على أسس سياسية، وأصبحت في فترة وجيزة قوة سياسية لها اعتبارها([34]).
وفي عام 1919م وضع الحزب الإسلامي الإندونيسي برنامجًا محددًا طالب فيه بالاستقلال، ولو دعت الحاجة إلى استخدام القوة في سبيل تحقيق هذا الاستقلال([35]).
وخلال عشرينيات القرن العشرين، استطاع الاتحاد الإسلامي طرد الشيوعيين من صفوفه، كما ظهرت أحزاب وجمعيات وطنية إندونيسية أخرى كالحزب الوطني الإندونيسي، بقيادة سوكارنو والحزب الإندونيسي «بارتندو» وحزب الشعب الإندونيسي وحزب إندونيسيا الأعظم «بارندا» ومجموعة الحرية والتي تقلد اثنان من أعضائها منصب رئيس الوزراء الإندونيسي، وهما محمد حتا وستان سجاهرير، وذلك بالإضافة إلى الجمعيات الدينية والخيرية التي كانت لها دورها السياسي والوطني([36])، وقد دفع هذا اليقين الإندونيسيين حين انطلقت الجماهير للدفاع عن قيم الاستقلال (1945-1949م)([37]).
وقد قامت القوات المسلحة على أكتاف الشباب المناضل من أجل الحرية (1945-1949م) وهيئة الأمن الشعبي و«المنظمات النضالية»، ثم ما لبثت أن تحولت إلى مؤسسة ذات بُعد اجتماعي وسياسي([38]).
فالوازع السياسي يقف وراء كل هذا العمل الوطني وهذا الحماس الملتهب، والذي يقف وراءه بُعد ديني عميق، وفي ظل هذه المكانة لهذا البُعد الديني لعب الدين دورًا هامًا في مرحلة الكفاح الوطني منذ منتصف الأربعينيات حيث ظهرت تنظيمات إسلامية، وقد عكس هذا الواقع نشاطًا إسلاميًا بارزًا اصطبغ مجمله بطابع الكفاح الوطني، مؤكدًا أهمية الإسلام كمرجعية دينية توصلت إلى جذب مختلف التوجهات السياسية من تقليدية إلى تحديثية في فترة مبكرة من التاريخ السياسي للدولة([39]).
³ الباعث الفكري والأدبي:
يعتبر الباعث الفكري الطريق الممهد والسبب المباشر لتأسيس الحركة الإسلامية وإنشاء الجمعيات الإندونيسية، التي تهدف بالدرجة الأولى الإصلاح الفكري للأفراد، وكذلك الإصلاح الديني والاجتماعي، ولنشر الفكر الواعي الذي يحفظ للأفراد حقوقهم ووطنيتهم واستقلالهم، ووجود فكر إسلامي ناضج يوجّه الجميع إلى الإصلاح في أمور الحياة كلها، والإسهام في تكوين نبع الوطنية والقومية([40]).
لقد ظهر هذا الفكر الواعي، وتبلورت آراء المفكرين في إندونيسيا في بداية القرن العشرين واتجهت ميولهم إلى تنظيم الحركة الوطنية وتوجيهها التوجيه الصحيح الذي يضمن له الفوز، ومن حسن حظ إندونيسيا أن فريقًا من أبنائها كانوا قد اتصلوا بالعالم الخارجي من ناحية، واتصلوا من ناحية أخرى ببعضهم البعض في أجزاء البلاد المتباعدة، حيث ابتعث الهولنديون كثيرًا من الطلاب والشباب الإندونيسيين إلى هولندا للدراسة، وهناك اكتسب هؤلاء الشباب الخبرة الحرفية والعلمية وعادوا إلى أوطانهم وعقولهم مملوءة بالأفكار والمفاهيم الغربية عن الحرية وبدأوا بذلك تأسيس الجمعيات والهيئات والتنظيمات والأحزاب التي كان لها دور واضح في الحركة الوطنية للبلاد، والأحزاب الإندونيسية والشكل والإطار التي تعمل فيه بشكل مباشر أو غير مباشر فهناك جمعيات قامت بتبني فكرة الإصلاح وأيضًا أحزاب، هدفهم جميعًا الإصلاح الديني والاجتماعي ولنشر الوعي الوطني، فالباعث لكل هذه المفاهيم هو الباعث الفكري لتحقيق أكبر قدر من الخدمة الاجتماعية([41]).
ومن أهم الأحزاب والتنظيمات والجمعيات التي ظهرت: جمعية الأخلاق الفاضلة في عام 1908م، والمنظمة الإندونيسية الاجتماعية عام 1916م، والحركة المحمدية 1918م، والحزب الوطني لجزر الهند 1919م، والحزب الوطني الإندونيسي 1937م، وكان الهدف الأساسي لتلك المنظمات والجمعيات والأحزاب هو تحرير إندونيسيا وذلك بالدرجة الأولى، وتنقية الإسلام مما علق به من عادات ومعتقدات زحفت عليه من الهندوسية والبوذية، وإصلاح التعليم الإسلامي، لذلك فالباعث الفكري في نفوس الإندونيسيين جعل هذه المنظمات والأحزاب والجمعيات ما بين طلابية ودينية وسياسية واقتصادية واجتماعية، الجميع يصب في وعاء واحد وهو وعاء الفكر، وكلها ناضلت من أجل تحقيق هدف مشترك لها جميعًا هو النهوض بإندونيسيا من شتى الجوانب وفي مقدمتهم التحرر الوطني([42]).
³ الباعث الفكري الشرقي:
مثلما كانت الأفكار الغربية باعثًا ومؤثرًا على الحياة الإندونيسية بصفة عامة وعلى الجمعيات الإندونيسية بصفة خاصة، فإن الأفكار المشرقية كانت الباعث الأقوى تأثيرًا على الحياة الإندونيسية والجمعيات الإندونيسية آنذاك، نظرًا لاقتراب الطبيعة الإندونيسية الروحية والفكرية مع الأفكار المشرقية النابعة من ديانة واحدة ورافد واحد هو الإسلام.
فما أن سطع فجر الإسلام على تلك الجزر النائية حتى هبت جموع الشعب تستقبله بكل ترحاب وارتياح، وبهذا الدين الحنيف استطاع الإندونيسيون أن يتعرفوا على كثير من الأمم ذات الحضارات العريقة كالأمة المصرية، وعن هذا الطريق توصل الإندونيسيون إلى معرفة الشيء والكثير عن ما تكتنزه تلك الحضارة من علوم ومعارف كانت هي السبيل والباعث إلى يقظة الشعب الإندونيسي([43]).
فإذا شئنا أن نتحدث عن النهضة الفكرية والقومية والإندونيسية، فلن نكون صادقين إلا إذا ربطنا بين قيامها وبين حركة النهضة الفكرية الإسلامية في مصر، فقد قبست من نورها، وتغذت بلبنها، وتلمست خطواتها، وانفصلت بالتغييرات التي كانت تموج في مجتمعها حتى إنه ليسبق إلى ظننا في بعض الآونة أن حركة تأثير الفكر المصري في إندونيسيا، قد أسرعت في خطوها حتى لتكاد أن تسبق مصر في ابتكار بعض الخطوط للمستقبل، ووضع بعض المعالم على الطريق الجديد قبل مصر.
لقد تأثر الإندونيسيون أيما تأثير بهذا المنهج السلفي الذي دعا إليه الأستاذ الإمام محمد عبده، وأستاذه جمال الدين الأفغاني، ذلك الذي يهدف إلى تطهير الفكر الإسلامي من أدران البدع والخرافات، ويقضي على تسرب العادات والتقاليد التي خلفتها العادات القديمة في إندونيسيا كالهندوكية والبوذية، لقد كان التأثير الفكري المصري على الحركة الوطنية الإندونيسية وتطور الفكر والوعي بشكل عام وخاصة في الاتجاه الإسلامي أعمق الأثر على الشعب الإندونيسي، وخاصة على تأسيس بعض الجمعيات الدينية التي نادت بكثير من الأمور الإصلاحية في الناحية السياسية والاجتماعية والوطنية وتطور الوعي الفكري([44]).
هذا وقد أحدثت مؤلفات الأستاذ الإمام «محمد عبده» وتفسير المنار هزة عنيفة في كيان المجتمع الإندونيسي، وعملت على رفع عجلة التفسير والتجديد في التفكير الإسلامي المعاصر، حيث اهتمت الباحثة «دوروثي وودمان» في كتابها «جمهورية إندونيسيا» ببيان ذلك الجانب المهم دون أن تعرف شيئًا عن الإمام «محمد عبده» قبل وفودها على جزر إندونيسيا، وتقول الباحثة في كلامها على الإسلام والماركسية والوطنية، كانت آراء التجديد على نطاق واسع، تحيا في المدارس الإسلامية بين أناس قاموا بفريضة الحج إلى مكة وبصفة خاصة بين الشبان الإندونيسيين الذين عرفوا تعاليم الشيخ «محمد عبده» التي كان لها شأن جليل في تاريخ الوطنية الإندونيسية مما أسفر عن تأسيس الجماعة المحمدية في عام 1912م، فكانت أوسع تعبير عن دعوة المصلح المصري([45]).
وقد حاول الاستعمار الهولندي وقف تدفق هذا الرافد وسد هذا الباعث من الكتب والمجلات القادمة من مصر والدول العربية والأخرى خوفًا من التأثير الخطير الذي تولده أفكار الجامعة الإسلامية على الإندونيسيين ضد الهولنديين([46]).
وفي أول يونيو سنة 1947م اعترفت مصر باستقلال إندونيسيا وأبرمت معاهدة صداقة ومودة واتفاق تجاري بين البلدين وذلك في 10 يونيو سنة 1947م، واعترفت بعد ذلك سائر الدول العربية([47]).
³ باعث مجابهة أخطار البعثات التبشيرية:
تعد إندونيسيا أكبر دولة أرخبيلية، تقع بين محيطين هما المحيط الهادي شرقًا والمحيط الهندي جنوبًا، وقد أدى الانتشار الجغرافي الواسع إلى تكوين مجموعات ثقافية متنوعة، هذا الانتشار الجغرافي يُعدّ عاملاً مساعدًا على تكوين الطابع الإندونيسي القومي وهو الانعزال الذي أدى إلى وجود لغات ولهجات متعددة وانتشار واسع للسكان([48]).
ففي عصور التاريخ الأولى، كان سكان جزر الهند الشرقية إندونيسيا فيما بعد -يدينون بدين الطبيعة- أو فلنسميه دين «الروح» أي أنهم كانوا يعتقدون أن الطبيعة مصدر كل شيء ومرجعه، وأن للأحياء والأشجار أرواحًا تحوم حولها وتحرسها، وإن كل حركة من حركات الإنسان تسيرها الروح الحائمة حوله.
وفي القرن الخامس الميلادي حمل الصينيون والهنود إلى الجزر الخضراء معتقداتهم الدينية أي الديانتين البوذية والبراهمية([49])، وانتشرت الديانتان انتشارًا واسعًا من الجزر كلها أو جلها وشيدت المعابد([50]).
لقد واجهت إندونيسيا مشكلة كبيرة وهي خطر البعثات التبشيرية المسيحية، ابتداء من الاحتلال البرتغالي الذي كان مبدأه نشر المسيحية وقتل أعداء المسيح، وعدم الاعتراف بأي ديانة أخرى، وانتهاء بالتمويل الكريم الذي كانت تعطيه السلطات الهولندية للبعثات والمدارس التبشيرية المسيحية كشكل من أشكال الصيد الاستعماري للفكر الإسلامي، الذي كان يمثل مشكلة كبيرة لا يستطيع التغلب عليها أو تطويعها، لقد جابه المصلحون الدينيون في إندونيسيا النشاط التبشيري لنشر المسيحية بين الوثنيين وبين المسلمين، وإنشاء المدارس بتمويل هولندي من أجل نشر العقيدة الكاثوليكية وممارسة العديد من الأنشطة التبشيرية، التي تخلخل التمسك الإسلامي، وإضعاف الوازع الديني، حيث الألوهية عند الكاثوليك إلى واحد مثلث الأب والابن والروح القدس، كما يؤمنون بأن المسيح طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية، وغيرها من الأمور الاعتقادية غير الصحيحة([51]).
وعملت هذه البعثات على نشر المسيحية بين المسلمين أنفسهم، ونظرًا لسوء النية المتبادل أصلاً بين مسلمي إندونيسيا والمستعمرين وبعثاتهم ومدارسهم، فقد شرع المسلمون بالصد كذلك لهذه البعثات التبشيرية، مما آثار حافظة المسلمين في إندونيسيا، وهيّج حماسهم، مما شكل باعثًا لقيام المصلحين بتأسيس المؤسسات والتنظيمات الدينية والاجتماعية والسياسية، التي كان لها دون شك دور بارز -وإن كان في إطار إسلامي- في تبلور الوعي السياسي والإسلامي في الحركة الوطنية([52]).
³ باعث توحيد اللغة:
يعتبر الباعث اللغوي بمعنى الباعث لتوحيد اللغة بين الشعب الإندونيسي أمر أساسي وعنصر هام، بل عنصر أساسي يأتي من الدرجة الثالثة بعد الرابط الديني والرابط الوطني في الأهمية، وذلك من وجهة نظري، فيكفي أن تنقسم أمة وتتشتت إلى دويلات أو مناطق عديدة لا لشيء إلا لأن لكل قومية لغتها الخاصة، واللغة عامل مهم في تبلور الشعور الوطني ونضج الوعي السياسي.
من المعروف أن إندونيسيا تتكون من آلاف الجزر، وكانت لكل جزيرة لغتها الخاصة التي تختلف عن غيرها من لغات الجزر الأخرى، وكانت هذه اللغة تستمد أصولها من اللغات الأصلية بتلك البلاد وتقتبس من اللغات المختلفة كلمات سرعان ما تصبح أصلية في هذه اللغة، وقد ساعد تطور الاتصال التجاري والديني والثقافي بين سكان هذه المنطقة وبين التجار الهنود والعرب والصينيين على تطور هذه اللغة وازدهارها([53]).
ولا شك أن الوحدة اللغوية عامل مهم في تبلور الشعور الوطني ونضج الوعي السياسي، وبالرغم من وجود العديد من اللغات واللهجات إلا أن البلاد توحدت في لغة واحدة هي اللغة المعروفة باسم (بهاسا إندونيسيا) ولكن الاستعمار الهولندي قال بإحياء تعدد اللغات واللهجات في كل منطقة من مناطق إندونيسيا بغرض إيجاد النعرات المحلية والتعصب اللغوي حتى لا يتوحد الإندونيسيون على لغة واحدة، ويعتبر كل فريق أن لغته هي الأولى بالتكريم والسيادة، فهي وسيلة استعمارية قصد بها تفريق أبناء الوطن الواحد، مما جعل الشعب الإندونيسي يلج في عشرات اللغات واللهجات، فالسكان في إندونيسيا يتكلمون أكثر من ثلاثين لغة ومائتين وخمسين لهجة مختلفة، ويرجع ذلك إلى ترامي أطراف البلاد، وتباعد أقسامها وصعوبة المواصلات التي تربط أجزاءها وهذه اللغات تنضوي تحت مجموعة اللغة الملاوية الأم([54]).
وفي أيام الحكم الهولندي كانت اللغة الهولندية هي الرسمية، وتدرس في المعاهد والمدارس([55])، ولكن بما يرغب الاستعمار، حيث قامت سلطاته بإحياء اللغات المتعددة في المدارس الأولية في قرى كل منطقة لتحتفظ كل قبيلة بلغتها الخاصة، ولكن تفتر رغبتهم في لغة واحدة، ومع نمو الرغبة الزائدة، والمشاعر المتقدة نحو استخدام لغة واحدة نابعة من الأرض الإندونيسية، والشعب الإندونيسي يعبر عن تاريخه وعاداته وتقاليده، اتجهت كل المؤسسات الوطنية والإعلامية والصحافية بما في ذلك الجمعيات الإندونيسية على طول تاريخها وأثناء الفترة الاستعمارية باستخدام اللغة الملاوية والاعتماد عليها، فظهرت جريدة «مادان- براياي» من باندونج تعبيرًا عن الرغبة الإندونيسية في ظهور سجلات وجرائد وطنية، وفي عام 1921م ظهرت صحيفة «بانيه ميرديكا» أي بذرة الحرية، وذلك في سومطرة، تعبيرًا وتجسيدًا للحركة الوطنية هناك، وأيضًا «أبيراجكات» -نار الشعب- و«سنيار»-هنديا- «شعاع الحرية» ... وغيرها من الصحف والمجلات([56]). فاللغة الإندونيسية هي لغة الملايو التي تعد من قرون عديدة لغة التجارة بين جزر إندونيسيا([57]).
وفي 28 أكتوبر 1928م عقد مؤتمر الشباب الثاني الذي اتخذ ثلاثة قرارات ذات أهمية في تاريخ إندونيسيا السياسي الحركة والوطنية الشاملة وهي: «وطن واحد هو أرض إندونيسيا، وشعب واحد هو شعب إندونيسيا، ولغة واحدة هي لغة إندونيسيا»، ومنذ عام 1930م أصبحت اللغة الإندونيسية هي لغة التخاطب والمراسلة وهمزة الوصل بين المناطق المختلفة في البلاد بعد أن كانت هولندا ترغب في إشاعة لغتها في البلاد مثلما شاعت الإنجليزية في الهند والفرنسية في شمال إفريقيا، وقد أدرك الإندونيسيون المأساة التي قد تلحق بهم من جراء عدم الاهتمام بالوحدة اللغوية التي تربط أواصر الشعب وتجعله في شعور واحد وإحساس واحد مشترك، ومع إصرار الشعب الإندونيسي فقد طالب الأعضاء الإندونيسيون في المجلس النيابي «الفولكسراد» الذي أقامته السلطات الهولندية في «جاكرتا» في عام 1925م بضرورة الاعتراف باللغة الإندونيسية لغة رسمية للبلاد، وفي عام 1942م أقام اليابانيون «هيئة اللغة الإندونيسية» برئاسة الدكتور «محمد حتا»، وفي أغسطس عام 1945م أعلنت اللغة الإندونيسية رسميًا لغة البلاد([58]).
وهذه اللغة يتكلم بها الشعب الإندونيسي كلغة تخاطب شامل منذ أكثر من ستة قرون، إذ كانت اللغة الملايوية لغة تفاهم شعبي بين سكان أقاليم إندونيسيا، والباحث في اللغة الإندونيسية والدارس لآدابها والمتعمق لمشتقات كلماتها، يجد أن كثيرًا من كلماتها اقتبست من اللغة العربية وأتت عن طريق الإسلام([59]).
إذ جاء بها هذا الدين أثرًا من آثاره الباقية ورمزًا من رموز الصلة الوثيقة، وشعارًا بارزًا في حياة هذه الأمة، مما دفع الشعب الإندونيسي إلى التمسك باللغة العربية؛ لأنه ينظر إليها برقة، وتأخذها برأفة شعورًا منهم بقربها إليهم وإلى أفكارهم وشعورهم روحًا ومعنى من أثر الدين الحميد ووحدة العقيدة مما دفع الإندونيسيين إلى الإصرار على توحيد اللغة من خلال نشاط الجمعيات والأحزاب الإندونيسية حيث شاركت الجمعيات الإندونيسية بقسط لا بأس به في تبني اللغة وكان باعث اللغة الواحدة من البواعث التي شجعتها بإصدار بعض صحفها باللغة الإندونيسية بجانب إن اللغة الإندونيسية هي لغة التخاطب بين النخبة والناس، مثل صحيفة «اتوسان إنديا» أصدرتها جمعية الخير، كذلك إصدار «سوارا محمدية» أي صوت المحمدية، ومجلة «سوارا الإسلام» أي صوت الإسلام ومجلة «ماتيرا» أي «الجوهر» كلها كانت تصدر باللغة الملاوية([60]).
³ باعث تأثير الأحداث العالمية:
نرى كذلك في تأثير الأحداث العالمية التي جرت حول العالم كانت باعثًا وافدًا لإنشاء وتطور الجمعيات الإندونيسية، فإندونيسيا عمومًا لم تكن بمعزل عن ما يحدث في العالم من حولها كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وأشرنا إلى باعث التأثيرات المشرقية والغربية في نشاطات الجمعيات والحياة الإندونيسية.
لقد عانت إندونيسيا كغيرها من الدول التي وقعت تحت الاستعمار، ممثلاً في الاحتلال الهولندي والياباني، وقد كان لذلك تأثيراته الواضحة على القيم السائدة والتقاليد السياسية في المجتمع.
بالإضافة إلى التشوهات الاقتصادية والاجتماعية، ولعل الميراث الاستعماري الذي درج على التدخل المباشر في شئون الحكم حتى عام 1949م، قد أخفى قدرًا من الصعاب التي تحول دون إرساء التقاليد الديمقراطية([61])، فقد كانت الحرب العالمية الأولى عاملاً من عوامل تقوية الشعور الوطني في إندونيسيا ومن ثم ظهور في كل أنحاء البلاد عدد من التنظيمات والأحزاب الوطنية التي أسهمت بشكل فعال في التعبير عن الآمال الكاملة وفي إظهار مشاعر السخط بشكل منظم لأمة كانت ترنو إلى حريتها، ومن أهم الأحزاب والتنظيمات التي ظهرت في ذلك الوقت جمعية «الأخلاق الفاضلة» 1908م، والحركة المحمدية 1918م([62]).
وكان لكفاح الشعب الفلبيني ونجاح كمال أتاتورك([63]) في تركيا ضد القوى الأوروبية ونشاط حزب الكونجرس في الهند، وظهور القومية الصينية المناهضة للغرب على يد الدكتور «صن يات صن»([64]) وظهور اليابان وانتصارها على روسيا في حربها معها عام 1905م، بل هزيمتها للهولنديين في إندونيسيا نفسها عام 1902م فهم الإندونيسيون أن القوى الأوروبية الغربية ليست بالضرورة محصنة ضد الهزيمة، ثم تأثير الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية بكل أحداثها على إندونيسيا في مختلف المجالات كروابط البلاد بأوروبا ومطالب الأحزاب والخدمة العسكرية والنواحي الاقتصادية والأوضاع التعليمية والثقافية بوجه عام ونمو الصحافة واتساع نطاق الاتصالات([65]).
وبوجه عام حدث انفتاح واحتكاك دائم بالعالم حولهم، وكان له تأثيره وباعثه، حتى إن فكرة الجمعيات كمؤسسة تأخذ ترخيصها من الحكومة وتحدد نشاطها هي فكرة غربية في الأصل على قرار الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني في أوروبا، جاءت نتيجة الاحتكام الإندونيسي الأوروبي خلال الفترة الاستعمارية([66]).




([1]) محمد أحمد السنباطي: حضارتنا في إندونيسيا، ص195.
([2]) عبد الجواد بكر: نظم التعليم والشخصية القومية في إندونيسيا واليابان، ط. مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1999م، ص176.
([3]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1997م، ص370.
([4]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ص371.
([5]) محمد أحمد السنباطي: حضارتنا في إندونيسيا، ص195.
([6]) إمام بانجول: هو عالم من رجال الدين الإسلامي، وهو ينسب بهذا الاسم إلى بلدة «بونجول»، وهي البلدة التي كان إمامًا لها ورئيسًا على سكانها المسلمين، ويطلق عليها اسمان آخران: بيتو شريف، ومصطفى سحاب، انظر: عفاف مسعد، تاريخ الشرق الأقصى، طبعة دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية - مصر، 2009م، ص233، وحبيب جاماتي: الجزر الخضراء هندونيسيا، ص22-23.
([7]) ديبو ينجورو: هو أكبر سلطان مدينة «يوجياكرتا» ويعتبر من أعلام الكفاح الوطني في إندونيسيا، وأطلق اسمه على أهم شوارع العاصمة «جاكرتا»، انظر: عفاف مسعد: تاريخ الشرق الأقصى، ص232.
([8]) تنكو عمر: هو قائد من القادة الإندونيسيين الذي قادوا الثورة ضد المستعمر الهولندي، ولبراعته وبسالته التف حوله بضعة آلاف من الثائرين وخاضوا معارك طاحنة ضد الغزاة حتى قتل هذا القائد الشجاع واستشهد في سبيل وطنه، انظر: عفاف مسعد: تاريخ الشرق الأقصى، ص233-234، وحبيب جاماتي: الجزر الخضراء هندونيسيا، ص23.
([9]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص233.
([10]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ص371.
([11]) عبد الجواد بكر: نظم التعليم والشخصية القومية في إندونيسيا واليابان، ص176.
([12]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ص370.
([13]) أيمن عبد الوهاب وآخرون: النمور الآسيوية تجارب في هزيمة التخلف، ط. مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 1995م، ص80، وانظر: محمد أحمد السنباطي: حضارتنا في إندونيسيا، ص191، 195.
([14]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ص371.
([15]) محمد أحمد السنباطي: حضارتنا في إندونيسيا، ص206، 208.
([16]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص243.
([17]) حامد عثمان: المسلمون في العالم قضايا وتحديات، طبعة ومنشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ليبيا، 1990م، ص57.
([18]) السيد حسين جلال: تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث، طبعة دار الوفاء، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص45.
([19]) سيف الدين عبد الفتاح، والسيد صدقي عابدين: الأفكار السياسية الآسيوية الكبرى في القرن العشرين، طبعة مركز الدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة، 2001م، ص177.
([20]) محمود السيد: تاريخ دول جنوب شرقي آسيا، طبعة مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2002م، ص101.
([21]) محمود السيد: تاريخ دول جنوب شرق آسيا، ص102.
([22]) محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ص387.
([23]) أحمد سوكارنو: ولد في 19 صفر 1319هـ (6 حزيران 1910م) في بلدة (بليتار) في شرقي جزيرة جاوا، درس أحمد سوكارنو المرحلة الابتدائية في بلدته ثم انتقل إلى (سورابايا) ليلتحق بالمرحلة الثانوية وهناك انضم إلى جماعة (جاوا الفتاة) وكان يكتب في جريدة (سول إندونيسيا)، والتحق عام 1388هـ-1920م بكلية الهندسة في جاكرتا وتخرج منها عام 1343هـ-1925م وعمل بإحدى الشركات الهولندية، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعات الهولندية، بدأ أحمد سوكارنوا عمله السياسي عام 1348هـ-1929م وبعد عام اُعتقل وأُطلق سراحه بعد عامين ثم لم يلبث أن اُعتقل ونُفي إلى جزيرة (فلوريس) إحدى جزر مجموعة الصوند الصغرى، وبعدها نقل إلى (بنكولن) في جزيرة سومطرة، وأُطلق سراحه عندما أفرج اليابانيون عن المعتقلين السياسيين، وتسلم رئاسة الجمهورية، وكان يميل إلى الشيوعية، وتوفي في مستشفى جاكرتا في 17 ربيع الثاني 1390هـ، (21حزيران 1970م)، انظر: عفاف مسعد العبد: تاريخ الشرق الأقصى، ص272-273، وحبيب جاماتي: الجزر الخضراء هندونيسيا، ص36-39.
([24]) محمد حتا: ولد في جزيرة سومطرة في 8 جمادي الأولى 1320هـ (12 أب 1902م)، درس الاقتصاد في جامعة (روتردام) في هولندا، واشترك في الجمعية الإندونيسية بهولندا، وفي المؤتمر الدولي لمناهضة الاستعمار العالمي في بروكسل في بلجيكا، وزار اليابان، وتولى رئاسة تحرير جريدة (نداء الشعب)، واُعتقل عام 1354هـ-1935م حتى أطلق اليابانيون سراحه عندما دخلوا إندونيسيا بعد سجن دام سبع سنوات ثم أصبح نائبًا لرئيس الجمهورية، ثم اُعتقل في جزيرة (بانكا) وكان صاحب دين وخلق، انظر: عفاف مسعد العبد: تاريخ الشرق الأقصى، ص275-276.
([25]) أيمن السيد عبد الوهاب: النمور الآسيوية، ص70.
([26]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص246، 251.
([27]) محمد أحمد السنباطي: حضارتنا في إندونيسيا، ص201.
([28]) إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ص310.
([29]) محمد محمود السروجي: حركة استقلال إندونيسيا، ط. مطبعة جامعة الإسكندرية، مصر 1961م، ص46.
([30]) تيدين: هي زوجة البطل الإندونيسي «تنكوعمر» وقد عاونت زوجها في جهاده في إندونيسيا، وعندما قتل وقفت أمام جثمانه وأقسمت على أن تواصل القتال لكي تثأر له ولوطنه. انظر: عفاف مسعد العبد، تاريخ الشرق الأقصى، ص233-234.
([31]) كارتيني (1879-1904م): قادت حركة بطولية خالدة أطلق عليها ثورة سياسية واجتماعية لأنها قادت الحركة الوطنية لتخليص البلاد من ربقة الاستعمار بالعلم والمعرفة والثقافة. انظر: عفاف مسعد العبد، تاريخ الشرق الأقصى، ص237.
([32]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص233-237.
([33]) إسماعيل ياغي، ومحمود شاكر: تاريخ العالم الإسلامي، ص313.
([34]) محمود محمود السروجي: حركة استقلال إندونيسيا، ص47.
([35]) نفس المرجع السابق.
([36]) جميل عبد الله المصري: حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، طبعة مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الخامسة، 2001م، ص472.
([37]) أيمن السيد عبد الوهاب وآخرون: النمور الآسيوية، تجارب في هزيمة التخلف، ص53.
([38]) المصدر السابق ص60.
([39]) سيف الدين عبد الفتاح، والسيد صدقي عابدين: الأفكار السياسية الآسيوية الكبرى، ص174.
([40]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص243-244.
([41]) أيمن السيد عبد الوهاب وآخرون: النمور الآسيوية تجارب في هزيمة التخلف، ص53، وانظر: عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص243.
([42]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص244-246.
([43]) محمد محمود السروجي: حركة استقلال إندونيسيا، ص107.
([44]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص239، ومحمد محمود السروجي: حركة استقلال إندونيسيا، ص108.
([45]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص238-239.
([46]) محمد محمود السروجي: حركة استقلال إندونيسيا، ص106.
([47]) المصدر السابق، ص109.
([48]) د. عبد الجواد بكر: نظم التعليم والشخصية القومية في إندونيسيا واليابان، ص169-170.
([49]) الراهمية: هي الاسم الآخر للهندوكية، وهي نسبة إلى «براهما» الذي يمثل عند الهندوك القوة العظيمة السحرية الكامنة التي تطلب كثيرًا من العبادات، وهو عندهم مصدر الكائنات كلها الذي لا حد له، وهو الأصل الأزلي المستقل. انظر: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب 2/985.
([50]) حبيب جاماتي: الجزر الخضراء هندونيسيا، ص95.
([51]) الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الموسوعة الميسرة 2/606.
([52]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص240، 241.
([53]) أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي، 8/421-424.
([54]) محمود شاكر: إندونيسيا، ص78، 79، وعفاف مسعد العبد: تاريخ الشرق الأقصى، ص241.
([55]) عبد الرحمن زكي: المسلمون في العالم اليوم، ص54.
([56]) عفاف مسعد العبد: دارسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص241، 256.
([57]) عبد الرحمن زكي: المسلمون في العالم اليوم، ص54.
([58]) عفاف مسعد العبد: دارسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص242-243.
([59]) فؤاد محمد فخر الدين: تاريخ إندونيسيا، ص30، 40-42.
([60]) عفاف مسعد العبد: دراسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص243، 256.
([61]) أيمن السيد عبد الوهاب وآخرون: النمور الآسيوية تجارب في هزيمة التخلف، ص82.
([62]) عفاف مسعد العبد: دارسات في تاريخ الشرق الأقصى، ص245.
([63]) هو مصطفى كمال أتاتورك المولود في 19 مايو 1881م في مدينة سلانيك اليونانية، وكانت تابعة للدولة العثمانية وقتئذ، وتوفي في 10 نوفمبر 1938م، له بصمة عسكرية في الحرب العالمية الأولى وما بعدها، وسياسيًا بعد ذلك، وحتى الآن في بناء دولة تركيا الحديثة، ورغم ذلك وجهت إليه انتقادات لسياساته كإلغاء الخلافة الإسلامية، وإلغاء الشريعة الإسلامية من المؤسسات التشريعية، وفصل الدين عن الدولة، ومنع اللباس الإسلامي، ومنع تعدد الزوجات، وألغى وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، واستخدم الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية في كتابة اللغة التركية عام 1928م.
انظر الموقع ar.wikipedia.org .
([64]) صن يات صن: زعيم صيني ثوري، مولود في 1866م في مقاطعة قوانغ دونغ في الصين، وقد كرّس حياته كلها لتحقيق الإصلاح في الصين، وكان له اهتمام كبير بالسياسة، قام بتأسيس الجمعية الصينية الشهيرة. انظر الموقع: famouspeoplebiagraphyguide.com .
([65]) عفاف مسعد العبد، دراسات في تاريخ المشرق الأقصى، ص240.
([66]) المصدر السابق، ص256.

Comments